- نشرة منسوج
- Posts
- هل فعلاً كل العلامات الأوروبية تُصنع في الصين؟
هل فعلاً كل العلامات الأوروبية تُصنع في الصين؟
عن حرب التيكتوك
الحرب بين القطع الفاخرة «الأصلية» و«التقليد» ليست وليدة اللحظة. لا لأن المنتجات تغيرت، بل لأن رغبة الأفراد في امتلاك الفخامة تفاقمت، وتحوّلت من رفاهية إلى حاجة رمزية مرتبطة بالمكانة، والهوية، والانتماء الطبقي أحيانًا
هذه الرغبة المتصاعدة فتحت باب واسع أمام أسواق موازية من المنتجات المقلدة، تُغذّيها أسئلة عن القيمة، والفرق الحقيقي، والجدوى من دفع آلاف الريالات لقطعة قد نجد شبيها لها بسعر زهيد
:وهُنا نثير التساؤلات
هل فعلاً كل العلامات الفاخرة تُصنع في الصين؟ أين تذهب المبالغ الطائلة التي ندفعها للقطع الفاخرة؟
السؤال يبدو بسيطاً، لكن إجابته معقدة. في حديثها المفصل عن هذا الموضوع أجابت غدير الشريوفي - صانعة محتوى - لمنسوج قائلة
بعض العلامات الفاخرة تنقل خطوط إنتاجها إلى الصين، لكن ما لا يُقال كثيرًا هو أن هذا لا يعني انخفاض الجودة بالضرورة. الفرق الحقيقي ليس في البلد بل في النظام
بينما نتقاطع أنا وغدير عند فكرة أساسية مفادها أن: المصانع التابعة لتلك الدور تُدار برقابة صارمة، من فرض عقود الحصرية وشروط عدم الإفشاء واستخدام خامات مستوردة، وتحت إشراف مباشر من الفرق الأوروبية. في المقابل، ورش التقليد — التي ظهرت في الصور — تعمل دون تراخيص، وتُنتج بالجملة باستخدام خامات رديئة، وغالبًا دون أدنى درجات الإتقان
بالرغم من أن البعض يجادل بأن جودة بعض المنتجات المقلدة “عالية” وقد تصل نسبة التشابه فيها إلى 90٪، إلا أن هذا لا يجعلها فاخرة أصلية. فـ “شبه الأصل” ليس أصلًا، مهما تقاربت التفاصيل
تجمعني أنا وغدير قناعة راسخة بأن المنتج الفاخر الأصلي لا يُقاس بالجلد والخياطة فقط. نحن ندفع مقابل التجربة الكاملة: الابتكار والفكرة، وإرث الدار، والخامات عالية الجودة، والتطريز الدقيق، والحرفية العالية، وخدمات ما بعد البيع، والتغليف الفاخر، وحتى المقعد وفنجان القهوة الذي نستمتع به داخل المتجر. الفخامة هي منظومة متكاملة، لا يمكن اختزالها في منتج واحد

وأيضاً لا ينبغي أن نحصر نقاش الفخامة في «أين صُنعت» فقط، بل يجب أن نُمعن النظر في كيف صُنعت، ومن الذي صنعها. الكثير من القطع الفاخرة لا تُسعّر بناءً على المواد فقط، بل على الوقت الذي استغرقه صنعها، وعدد الأيدي التي مرّت عليها، ومهارة الحرفي الذي قضى سنوات يتدرّب ليصل إلى تلك الدرجة من الإتقان
ولذلك، عندما يتم تسعير هذه القطع بشكل عادل، فهي لا تكون زهيدة، لكنها أيضًا لا تصل إلى أرقام خيالية لمجرد توسطها لشعار. ولهذا السبب كانت الأزياء التقليدية في السابق تُعتبر استثمارًا عالي القيمة؛ لأنها تُطرّز يدويًا، بخامات فاخرة، وفي بعض الأحيان تستغرق أشهر لصناعتها
لكن لنعود قليلاً لسلوك المستهلك تقول غدير أن ما يحدث من تصديق جماعي لمقاطع تُروّج لفكرة أن المنتجات الفاخرة تُصنّع في نفس مصانع التقليد، هو في حقيقته ردّة فعل نفسية، تعكس محاولة للراحة الداخلية، المجتمع اليوم يُعلي من قيمة الفخامة، ما يضع أصحاب الدخل المحدود تحت ضغط دائم. لذلك، فإن تصديق هذه الشائعات يُشعر البعض بالارتياح، لأنه يمنحهم مبررًا للابتعاد عن هذه المنتجات، بل وإقناع أنفسهم بأن الكل مضحوك عليه
:وتختتم حديثها
ووسط هذا الضجيج، من المهم أن نفهم أن جزءًا من هذه الروايات ليس بريئة. هناك خطط تسويقية ممنهجة، تُدار من قِبل تجار التقليد، تستغل التقلبات الاقتصادية والسياسية في العالم. تُضخ رسائل مشككة في الجودة الأصلية لتبرير المنتجات المقلدة
وتُغلف بأحاديث «درجة أولى» و«طبق الأصل» لتطمين المستهلك نفسيًا ودفعه نحو الشراء. وهذه هي محاولات ذكية للنفاذ من بوابة الوعي الاستهلاكي، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار عالميًا وتراجع القوة الشرائية في بعض الأسواق
وبينما تتعرض بعض العلامات العالمية فعلاً لمشكلات في الجودة أو تغييرات في استراتيجيات التصنيع، وتُثار الشكوك حول مكان الإنتاج وتكاليفه، يبرز سؤال مهم: إذا كان هذا الغموض يحيط بالماركات العالمية، فلماذا لا نتجه إلى علامات نعرف يقينًا أين ومتى وكيف صُنعت؟
هنا يأتي دور العلامات السعودية، هذه لحظة مثالية لإعادة النظر في اختياراتنا. نحن نملك اليوم علامات محلية فاخرة، تُصمَّم وتُشرف عليها كفاءات سعودية، وتُصنَّع إما محليًا أو في مصانع خارجية موثوقة، وفق أعلى معايير الحرفية والشفافية. هذه ليست بدائل؛ بل خيارات أصيلة، تنتمي إلينا، وتُعبّر عنا
في نهاية المطاف، هذا كله يعود إلى قناعة شخصية. البعض يرى الفخامة استثمارًا في ذوقه، وتجربة متكاملة تستحق كل هللة، والبعض يفضل الذكاء الاقتصادي في شراء نسخة مشابهة. لكن من الخطأ أن نُصوّر من يشتري المنتج الأصلي كـ«مستغفل»، أو من يشتري التقليد «أذكى وأكثر نباهة». ما نرتديه ونقتنيه ليس قطعة جلد أو قماش، بل امتدادٌ لقصتنا الشخصية، ورؤيتنا لأنفسنا، وما نريد أن نُظهره للعالم
ولهذا لا يجب أن ينبع الاختيار من ضغط مجتمعي، ولا من «ترند» لحظي، بل من انسجام داخلي بين الذوق، والقناعة، والقدرة
كيف كانت النشرة اليوم |

فريق التحرير: رهف القنيبط، هاجر مبارك، بلسم الغشام، سفر عياد، وجدان المالكي
منسوج، لكل ما يخُص قطاع الأزيـاء المحلي
Reply