السرد القصصي في الأزيـاء: كيف تخلق قصة حقيقية لمجموعتك؟

هل سبق لك أن شاهدت عرض أزياء وتمعنت بعدد من القطع دون أن تشعر بجاذبيتها؟ وبعدما تشاهد القطعة لوحدها تُفاجئك إطلالة واحدة دون البقية. لماذا تبدو بعض التصاميم أقل بروزًا في سياق العرض الجماعي، بينما تكتشف جمالها الحقيقي عندما تراها في صورة منفردة؟

يعود هذا لطريقة السرد القصصي الذي تتبعها العلامات التجارية، مثلما يبدع الكُتّاب في نسج الرواية أو الفيلم، يُبدع المصممون في صياغة حكاية متكاملة في عالم الأزياء، حيث تروي القطع تاريخًا يمتد لعقود، وتحتضن ثقافات متنوعة، وتلامس أحيانًا قضايا سياسية واجتماعية معاصرة

القصة في هذا السياق لا تعني بالضرورة تسلسل درامي للأحداث أو شخصيات تقود حبكة محددة، لكنها تظهر من خلال العناصر المرئية والرسائل الرمزية التي توظفها العلامة التجارية، وفي عروض الأزياء السرد القصصي هو وسيلة إبداعية لتقديم المجموعة بشكل مترابط يجعل كل قطعة تحمل معنى يتجاوز كونها مجرد تصاميم جميلة

السرد القصصي هنا ليس مجرد مفاهيم عامة، بل هو بناء متكامل يعكس جوهر القصة التي تود العلامة إيصالها، مما يعزز من التعرف على العلامة وزيادة الثقة بها، ومن جانب نفسي أوضح عالم النفس المعرفي الأمريكي جيروم برونر أن الأشخاص يتذكرون القصص بمعدل 22 مرة مقارنةً بالمعلومات السردية

تحرير مفهوم القصة في عروض الأزياء

في أسبوع الأزياء في الرياض، جسّدت وعد العقيلي في عرضها الرومانسية والصمود بتصاميم مستوحاة من زهرة اللوتس وأجنحة اليعسوب، مخصصةً نسبة من عائدات المجموعة لدعم جمعية زهرة. لم تكن الزهرة والأجنحة مجرد عناصر عشوائية؛ بل كانت جزءاً من رحلة متكاملة بدأت من الألوان الناعمة وانتهت بالأسود، لتعبر عن مراحل مختلفة من القوة والأنوثة والصمود. القصة لا تُحكى بالكلمات، بل عبر الألوان، القصات، والرسائل الإنسانية المضمّنة

من جانب آخر، جسد عرض دار "أتيليه حكايات" مفهوم فندق يضم 30 غرفة، تحكي كلًا منها القصص الفريدة التي تحدث خلف الأبواب مجسداً الرومانسية، والخوف، والغموض، مما أضفى طابعًا سينمائيًا يعكس رحلة في البحث عن الحب والجمال، وظفت المجموعة تنوعًا في التصاميم، مما منح الجمهور قصة محبوكة بالرغم من الاختلاف الكبير الذي تضمنته القطع

أما علامة "قرمز"، قدمت مجموعة مستوحاة من الزي العسكري السعودي في الخمسينيات، من خلال الخطوط القوية والتفاصيل الدقيقة في القطع، سردت حكاية متجذرة في الذاكرة الجماعية، مجسداً البدايات والتغيرات التي مرت بها البلاد، السرد القصصي في العرض لم يكن مقتصرًا على تمثيل الماضي فقط، بل كانت دعوة للتأمل في جوهر الاستمرارية والارتباط العميق بالإرث الأصيل

كيف تُبنى القصة؟

تبدأ القصة في عروض الأزياء منذ لحظة الإلهام الأولى، ويولد السرد القصصي من اختيار العناصر التي تنقل الرسالة المطلوبة: الألوان التي تُثير مشاعر معينة، والخامات التي تعكس الحقب التاريخية، والتفاصيل الدقيقة التي تربط كل قطعة والأخرى

ثم يُبنى المفهوم الأساسي الذي يوجه كل قطعة، مما يعزز من قوة الرسالة المعروضة، ولهذا يعتمد السرد القصصي في الأزياء على تحويل التصاميم إلى لغة بصرية تهيج المشاعر وتعكس العمق الثقافي أو التاريخي، مما يخلق ارتباطًا عاطفيًا مع المتلقي ويجعل القطع مؤثرة وجذابة

كيف يضيف السرد القصصي بعدًا قيمًا لأعمال المصمم؟

يضيف السرد القصصي قيمة ملموسة لكل مجموعة أزياء، فهو يعزز ارتباط الجمهور بالتصاميم ويجعلها أكثر من مجرد أزياء تُرتدى؛ بل ذكريات وتجارب يعيشها الفرد

عندما تنجح العلامة في إيصال قصة محبوكة، فإنها لا تزيد من قيمة القطع فقط، بل تبني علاقة عاطفية طويلة الأمد مع جمهورها، مما يدفعهم للشعور بالانتماء ودعم العلامة التجارية بشكل أعمق، فقد أظهرت دراسة أن ربط المنتج بقصة يمكن أن يعزز قيمته بنحو الضعف، مما يجعل التجربة أكثر تأثيرًا ويزيد من ارتباط الجمهور بالقطع

ولأن السرد يُشعل المشاعر ويؤثر على الكيمياء العصبية، مثل الدوبامين، مما يعزز من ارتباطنا بالقطع أو المنتج أو خدمة معينة والاستعداد لدفع المزيد من أجلها. أثبتت دراسة أمريكية أن 71٪ من المستهلكين يميلون لشراء سلع من شركات تتوافق قيمها مع قيمهم؛ كما أظهرت دراسة قدمتها SEW أن استخدام السرد القصصي يعزز من معدل الشراء بنسبة تصل إلى %30

السرد في الأزياء ليس رفاهية، بل هو أداة جوهرية لتحويل التصاميم إلى قصص تتردد أصداؤها في أذهان الجمهور، ليصبح كل عرض نافذة على عالم غني بالتفاصيل والمعاني

هذه المقالة بدعم من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) وصندوق التنمية الثقافي ضمن #مبادرة_إثراء_المحتوى_العربي