- نشرة منسوج
- Posts
- بين الاقتباس والاستلهام...أين يقف المصمم؟
بين الاقتباس والاستلهام...أين يقف المصمم؟
نشرة منسوج
في كل عام، تتحول فعالية كأس الخيل إلى منصة مفتوحة للمصممين، لاستعراض رؤيتهم الإبداعية المستوحاة من التراث. ولكن، بين عشرات التصاميم التي تُعرض، يظل هناك ذلك الخيط الرفيع الذي يفصل بين من يستلهم من التراث ومن يقتبس منه، وبين من ينجح في إعادة تعريفه بصورة معاصرة، ومن يكتفي باستنساخه كما هو. أن تستلهم من التراث لا يعني أن تأخذ الفكرة كما هي، بل أن تُجردها أو أن تعيد إحياءه من منظورك الخاص حسب رؤيتك الإبداعية والفنية، وأن تتشرب جوهرها، دون أن تقع في فخ القص واللصق بأسلوب «كولاجي» بحت
الاستلهام كذلك يترك مساحة للمخيّلة لتحليل وتفكيك التصميم النهائي الذي أمامك لاستنتاج مصدر الاستلهام، لأن الاستلهام لا يكون مباشراً، فدائماً ما يترك الاستلهام مساحة للتفكر وتحليل التصميم
في تصاميم كأس الخيل هذا العام، يمكننا رؤية بعض المصممين الذين يأخذون رموزًا تراثية وتقديمها ضمن تصميم عصري وجمالي، كتصميم «بنت البلد» للمصممة ريهام نصير والمستوحى من الرواشين والدرابزين للأبواب والنوافذ في جدة البلد. تقدم هنا المصممة تصميماً مستوحى من عدة عناصر مجتمعة بشكل منتظم لتصبح النتيجة تكريماً لهذه الفنون المعمارية

تصميم (بنت البلد) للمصممة ريهام نصير
تصميم علامة أصايل لاين الذي تنقل من خلاله صورة قصصيّة جمالية مستوحاة من سحر ليالي الدرعية في «حي طريف»، من تفاصيل جمال العمارة التراثية إلى النخيل ونجوم السماء بالتطريز والشك الثقيل مُعلنةً لصناعة الأزياء السعودية بأن علامتها تتوسع، وأن العلامة قادرة على تقديم تصاميم بحرفيّة الكوتور

من مجموعة أصايل لاين لكأس الخيل السعودي 2025
في الجانب الآخر نجد عدة علامات تقدم تصاميم مستوحاة من التراث أو الثقافة السعودية من خلال أخذ عناصر ظاهريّة كتصميم «مذهّب» من خولة العيبان والمستوحى من رمال الصحراء في المملكة العربية السعودية وانعكاس نور الشمس على سطحها وتطريزات تعكس جمال الطبيعة فيها. الاستلهام قادم من عناصر الطبيعة حيث تعتبر الطبيعة مصدر إلهام أوليّ، والذي يحتمل التكرار، ويعتمد بشكل كبير على الطريقة التي يأخذ بها المصمم الاستلهام إلى أبعاد مختلفة من خلال التنفيذ أو التقنيات المستخدمة. في تصميم «مذهّب» نلاحظ طغيان العناصر الجمالية التي تُعيد التصميم إلى زاوية صريحة

تصميم (مذهّب) من المصممة خولة العيبان
في حالة الاقتباس، يصبح التصميم مجرد تكرار سواء لفكرة الاستلهام ذاتها أو المرجع. فمثلاً يحدث الاقتباس في التصميم عندما يأخذ المصمم قطعة تقليدية، ويُعيد إنتاجها بشكل مباشر من خلال الاحتفاظ بالقصّة، والاسم وغيرها من التفاصيل مع تغيير فقط الخامات أو الألوان، وفي حالة فعالية كأس الخيل، يعتبر الأمر مقبولاً تماماً، بناءً على الاشتراط الملبسي للحدث، إلا أنه لا يضيف أي رؤية جديدة لما هو موجود أصلًا
في زاوية أخرى من مفهوم الاقتباس، برزت أزياء كثيرة هذا العام من فعالية كأس الخيل بتفاصيل جاهزة مأخوذة من مصدر استلهام دون محاولة دمجها مع الأسلوب الشخصي للعلامة أو إعادة تفسيرها بشكل متجدد أو معاصر. نتيجة لذلك، هناك تصاميم أشبه بالأزياء التنكريّة؛ بسبب سوء التجريد والتفكيك لمصدر الاستلهام، بالرغم من كونها أساسيات في تصميم الأزياء
ركزّت علامات أخرى على فكرة تقديم التصميم «الغريب» دون النظر إلى العوامل التي تحيط بفكرة التصميم من رؤية العلامة، تقنيات التصميم ذاته إلى حتى السياق
في مقالة سابقة تحدثت عن (الاڤان غارد في السعودية: رؤية حقيقية أم مجرد ظاهرة؟)
إن الفرق بين الاستلهام والاقتباس يتجاوز كونه مجرد تباين لغوي، بل يعكس طريقة التفكير والتصميم. يعيد التصميم المستوحى تقديم الفكرة بأسلوب به نوع من التجديد؛ لأنه يحمل بصمة المصمم، بينما الاقتباس هو مجرد تكرار دون إضافة
كذلك، يمكن تمييز التصميم المستوحى من خلال تفرده، حيث يحمل رؤية واضحة تجعل أسلوب المصمم ظاهرًا، حتى لو لم يُذكر اسمه، في حين أن التصميم المقتبس يبدو مألوفًا إلى حد التكرار، ومباشر، وكأنه يعتمد على التجميع أو القص واللصق
التعامل مع التراث والثقافة لا يعني بالضرورة نسخة بشكل حرفي، بل فهم جوهره وإعادة تقديمه بطريقة تحافظ على أصالته، دون تركه في الماضي. فالأزياء ليست مجرد قطع قماش مصممة بأسلوب معين، بل هي لغة تعبر عن الزمن والهوية والرؤية الفنية. إن المصمم الحقيقي هو من يمنح الماضي بُعدًا جديد، ليبقى حيًا في الحاضر، ويستمر في المستقبل
.هذه المقالة بدعم من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) وصندوق التنمية الثقافي


فريق التحرير: هديل حسين،بلسم الغشام، سفر عياد، هاجر مبارك، وجدان المالكي
منسوج، لكل ما يخُص قطاع الأزيـاء المحلي
Reply